آداب الرؤى والأحلام

آداب الرؤى والأحلام




مقدمة :
الرؤيا : يعني ما يراه الإنسان في منامه ، فالإنسان إذا نام ، فإن الله تعالى يتوفى روحه ، لكنها وفاة صغرى ، كما قال الله تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الأنعام60 ] .
وقال تعالى : { اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [ الزمر42 ] .
وهذه الوفاة الصغرى تذهب فيها الروح إلى حيث يشاء الله .
ولهذا كان من أذكار النوم أن تقول : " بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ ، اللَّهُمَّ إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا ، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ " [ رواه البخاري ومسلم ] .
ثم إن الروح في هذه الحال ترى منامات ورؤىً منها ما هو محبوب ، ومنها ما هو مكروه ، ومنها رؤى ليس لها معنى ، وهي من تلاعب الشيطان ، على ما سيأتي بيانه بعد قليل بإذن الله تعالى .
ألفاظ ذات صلة :
هناك ألفاظ ذات صلة بالرؤى ، كالإلهام ، وهو تلقين الله سبحانه وتعالى الخير لعبده ، أو إلقاؤه في روعه .
والفرق بين الرؤيا والإلهام ، أن الإلهام يكون في اليقظة ، بخلاف الرؤيا فإنها لا تكون إلا في النوم .
والحلم ، هو الرؤيا ، أو هو اسم للاحتلام في المنام .
والحلم والرؤيا وإن كان كل واحد منهما يحدث في المنام ، إلا أن الرؤيا اسم للمحبوب ، فلذلك تضاف إلى الله سبحانه وتعالى .
والحلم اسم للمكروه فيضاف إلى الشيطان ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : " الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ . . . " [ رواه البخاري ومسلم ] . 
وهناك متعلقات أخرى بالرؤيا ، ليس هذا موطن ذكرها .
الموقف من الرؤى :
للرؤى أهميتُها الكبرى في واقع الناس قبل الإسلام وبعد الإسلام ، لكنها من خلال نظرات المتعلمين والمثقفين لها ، قد تتفاوت تفاوتاً كثيراً في اختلاف المرجعية من قبل كل طائفة كما يلي :
الفلاسفة والرؤى :
فقد أنكرها الفلاسفة ، ونسبوا جميع الرؤى إلى الأخلاط التي في الجسد ، فرأوا أنها هي التي تحدث انعكاساً مباشراً على نفس الرائي ، بقدر هيجان الأخلاط التي في جسده .
علماء النفس والرؤى :
ولبعض علماء النفس مؤقفٌ سلبي تجاه هذه الرؤى أيضاً، قاربوا فيه قيلَ الفلاسفة فجعلوها خليطا من الأمزجة والرواسب التي تكمُن في ذاكرة الإنسان فيهيّجها المنام، حتى قصروا أمرَها في قالب مادي بيولوجي صِرف كما زعموا.
الإسلام والرؤى :
وأما شريعة الإسلام فإن علماءَها وأئمتَها قد ساروا على منهاج النبوة ووقفوا من الرؤى بما نصَّ عليه الكتاب والسنة، فذهبوا إلى أن الرؤيا المنامية الصالحة الصادقة إنما هي حق من عند الله، فمنها المبشِّرة ومنها المنذرة، لما روى مالك في الموطأ وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ وَبَقِيَتِ الْمُبَشِّرَاتُ " قيل : وما المبشرات ؟ قال : " الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرى له " ، وأصل هذا الحديث في البخاري .
والتبشير هنا يحتمل التبشير بالخير ، والتبشير بالشر ، كما قال الله تعالى عن الكفار : { فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ آل عمران21 ].
وهذه الرؤيا هي التي قال عنها الصادق المصدوق من حديث أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ ، لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثاً،  وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ ، وَالرُّؤْيَا ثَلاَثَةٌ : فَرُؤْيَا صَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ ، فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ ، وَلاَ يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ " [ رواه البخاري ومسلم ] .
تعلق الناس بالرؤى :
لقد تكالبت همم كثير من الناس في هذا العصر ، بسبب الضعف الإيماني ، والبعد عن الله تعالى ، وضعف الإيمان بالقضاء والقدر ، وقولهم : وبما كان ويكون ، وأن شيئاً لن يحدث إلا بأمر الله ومشيئته ، فما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، حتى لقد تعلَّقت نفوسهم بالرؤى والمنامات تعلُّقًا خالفوا فيه من تقدَّمهم في الزمن الأول من السلف الصالح ، ثم توسَّعوا فيها ، وفي الحديث عنها والاعتماد عليها ، إلى أن أصبحت شغلَهم الشاغل عبر المجالس والمنتديات والمجامع بل والقنوات الفضائية ، إلى أن طغت على الفتاوى الشرعية ، كل ذلك إبان غفلةٍ وهم الدنيا الذي طغى على القلوب ، ومنعها مما ينبغي تجاهَ هذه الرؤى ، وأن هناك هدياً نبوياً للتعامل معها ، ينبغي أن لا يتجاوزه المرء فيطغى ، ولا يتجاهله فيعيى ؛ وما تهافتُ الناسِ في السؤال عنها بهذه الصورة المفرطة ، إلا لونٌ من ألوان الخروج عن الإطار المرسوم والتوازن المتكامل ، فتجد أحدَنا يرى الرؤيا أياً كانت فتضطرب لها حواسُّه ، وترتعد منها فرائصُه ، وتُحبس أنفاسه ، فلا يطفئ ذلك إلا البحث بنهمٍ عن عابر لها ليعبرها ، حتى يظهر له أشرّ هي أم خير ، ولو وقف كل منا عند الهدي النبوي مع الرؤى ، لما رأينا مثل هذه الجلبة ولا مثل هذا التعلّق الشاغل الذي استثمرته بعض المجامع والمنتديات فضلاً عن الفضائيات التي جعلته وسيلة جلبٍ واستقطاب لمشاهديها من خلال هذا الطعم .
ولأجل أن نقف جميعا على صورة مثلى للتعامل مع الرؤى المتكاثرة فلنستمع إلى جملة من الآداب المرعية تجاه هذه الظاهرة الناخرة في المجتمع .
أنواع الرؤى :
ما كل ما يراه النائم يُعد من الرؤى التي لها معنى تفسَّر به ؛ إذ إن ما يراه النائم في منامه يتنوّع إلا ثلاثة أنواع لا رابع لها :
النوع الأول : أضغاث أحلام :
عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِنَّ الرُّؤْيَا ثَلاَثٌ : مِنْهَا أَهَاوِيلُ مِنَ الشَّيْطَانِ ، لِيَحْزُنَ بِهَا ابْنَ آدَمَ ، وَمِنْهَا مَا يَهُمُّ بِهِ الرَّجُلُ فِي يَقَظَتِهِ ، فَيَرَاهُ فِي مَنَامِهِ ، وَمِنْهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ " [ رواه ابن ماجة والطبراني في الأوسط ، وحسن إسناده الحافظ في الفتح ، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة : إسناد صحيح ، رجاله ثقات ، وصححه الألباني في الصحيحة 1870 ] .
يقول البغوي رحمه الله : " في هذا الحديث بيان أنه ليس كل ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحاً ويجوز تعبيره ، إنما الصحيح منها ما كان من الله عز وجل ، وما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها " .
ومثال هذه الأضغاث ما رواه مسلم في صحيحه منْ حديث جَابِرٍ قَالَ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِي ضُرِبَ فَتَدَحْرَجَ فَاشْتَدَدْتُ عَلَى أَثَرِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلأَعْرَابِيِّ : " لاَ تُحَدِّثِ النَّاسَ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي " .
النوع الثاني : انعكاسات اليقظة :
يحصل للإنسان مواقف يومية ، منها ما يعلق بذهنه ، ويبقى في عقله الباطن ، وربما يفكر فيه طيلة يومه ، فيراه في منامه ، ويظنه رؤيا ، وإذا به أضغاث أحلام ، وانعكاسات لما رآه ، وهو ما يحدِّث به المرء نفسَه في يقظته ، كمن يكون مشغولا بسفر أو تجارة أو نحو ذلك، فينام فيرى في منامه ما كان يفكّر فيه في يقظته، وهذا من أضغاث الأحلام التي لا تعبير لها .
النوع الثالث : الرؤيا الصادقة :
الرؤيا الصادقة الصالحة التي تكون من الله ، وهي التي تكون بشارة أو نذارة ، وقد تكون واضحة ظاهرة لا تحتاج إلى تأويل ، كما رأى إبراهيم عليه السلام أنه يذبح ابنَه في المنام ، وقد تكون خافية برموز تحتاج فيها إلى عابر يعبُرها ، كرؤيا صاحبي السجن مع يوسف عليه السلام .
وهذا النوع هو الذي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُقصّ إلا على عالم أو ناصح، ودليل ذلك :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " . . . لاَ تُقَصُّ الرُّؤْيَا إِلاَّ عَلَى عَالِمٍ أَوْ نَاصِحٍ " [ رواه الترمذي والدارمي والطبراني في الأوسط ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وصححه الألباني في الصحيحة 119 ] .
وسيأتي مزيد بيان لأنواع الرؤى بعد قليل بإذن الله تعالى .
الرؤى والأحكام :
هناك نوع من الرؤى يراه بعض الناس ، تتعلق بإثبات شيء من أحكام الشريعة في حلال أو حرام ، أو فعل عبادة ، أو تحديد ليلة القدر مثلاً ، وهي التي أرِيَها النبي صلى الله عليه وسلم ثم أُنسيَها ، أو تلك الرؤى التي ينبني عليها آثار متعدية ، تتعلق بحقوق الناس وحرماتهم ، وإساءة الظنون بهم ، من خلال بعض الرؤى مثلاً ، أو الحكم على عدالتهم ونواياهم من خلالها ، فإن ذلك كلَّه من أضغاث الأحلام ، ومن الظنون التي لا يجوز الاعتماد عليها في قول جمهور أهل العلم ، كالشاطبي والنووي وابن تيمية وابن القيم وابن حجر وغيرهم .
وقد ذكر الشاطبي رحمه الله في كتابة الاعتصام : أن الخليفة المهدي أراد قتل شريك بن عبد الله القاضي فقال له شريك : ولِم ذلك يا أمير المؤمنين ودمي حرام عليك ؟! قال : لأني رأيت في المنام كأني مقبل عليك أكلمُك ، وأنت تكلمني من قفاك ، فأرسلت إلى من يعبِّر فسألته عنها فقال : هذا رجل يطأ بساطَك ، وهو يُسِرّ خلافَك ، فقال شريك : يا أمير المؤمنين ، إن رؤياك ليست رؤيا يوسف بن يعقوب ، وإن دماء المسلمين لا تسفَك بالأحلام ، فنكَّس المهدي رأسه وأشار إليه بيده أن اخرُج ، فانصرف .
وقد ذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق : أن بعضهم رأى في المنام الشافعيَّ رحمه الله فقال له : كذبَ عليَّ يونس بن عبد الأعلى في حديث ، ما هذا من حديثي ولا حدثتُ به ، فقال الحافظ ابن كثير رحمه الله معلقاً على هذا الكلام : " يونس بن عبد الأعلى من الثقات لا يُطعن فيه بمجرد منام " .
وقد نقل الذهبي رحمه الله عن المروزي قال : أدخلتُ إبراهيمَ الحصري على أبي عبد الله أحمد بن حنبل وكان رجلاً صالحاً فقال : إن أمي رأت لك مناماً هو كذا وكذا ، وذكرت الجنة ، فقال : يا أخي ، إن سهل بن سلامة كان الناس يخبرونه بمثل هذا وخرج إلى سفك الدماء ، وقال : الرؤيا تسرُّ المؤمن ولا تغرُّه [ سير أعلام النبلاء 11/227 ] .
نصيحة ذهبية :
قال الشيخ حمود التويجري رحمه الله : " وقد أُلَّف في تعبير الأحلام عدة مؤلفات ، منها ما ينسب إلى ابن سيرين ، ومنها ما ينسب إلى غيره ، ولا خير في الاشتغال بها ، وكثرة النظر فيها ؛ لأن ذلك قد يشوّش الفكر ، وربما حصل منه القلق والتنغيص من رؤية المنامات المكروهة ، وقد يدعو بعض من لا علم لهم إلى تعبير الأحلام على وفق ما يجدونه في تلك الكتب ، ويكون تعبيرهم لها بخلاف تأويلها المطابق لها في الحقيقة ، فيكونون بذلك من المتخرصين القائلين بغير علم ، ولو كان كل ما قيل في تلك الكتب من التعبير صحيحًا ومطابقًا لكل ما ذكروه من أنواع الرؤيا لكان المعبرون للرؤيا كثيرين جدًا في كل عصر ومصر ، وقد علم بالاستقراء والتتبع لأخبار الماضين من هذه الأمة أن العاملين بتأويل الرؤيا قليلون جدًّا ، بل إنهم في غاية الندرة في العلماء ، فضلاً عن غير العلماء ، وذلك لأن تعبير الرؤيا علم من العلوم التي يختص الله بها من يشاء من عباده ، كما قال تعالى مخبرًا عن يعقوب عليه الصلاة والسلام أنه قال ليوسف عليه الصلاة والسلام : { وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ } [ يوسف 6 ] ، وقال تعالى مخبرًا عن يوسف أنه قال للفتيين اللذين دخلا معه السجن : { لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي } ، وقال تعالى مخبرًا عن يوسف أيضًا أنه قال : { رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ } [ يوسف101 ] ، والمراد بتأويل الأحاديث : تعبير الرؤيا ، قاله غير واحد من المفسرين " .
آداب الرؤى :
نعود الآن لموضوعنا ، وهو آداب الرؤى ، فأقول : مستعيناً بالله ، متوكلاً عليه :
الأدب الأول : الرؤيا الصادقة :
وهي من أجزاء النبوة كما ثبت عن النبي  صلى الله عليه وسلم  أنه قال الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة " [ رواه البخاري ومسلم ] .
الأدب الثاني : الرؤيا مبدأ الوحي [ رواه البخاري وسلم ] .
الأدب الثالث : وصدقها بحسب صدق الرائي ، وأصدق الناس رؤيا أصدقهم حديثاً " [ رواه مسلم ] .
الأدب الرابع : وهي عند اقتراب الزمان لا تكاد تخطئ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لبعد العهد بالنبوة وآثارها فيكون للمؤمنين شيء من العوض بالرؤيا التي فيها بشارة لهم أو تصبير وتثبيت على الدّين " [ رواه البخاري وسلم ] ، ونظير هذا الكرامات التي ظهرت بعد عصر الصحابة ، ولم تظهر عليهم لاستغنائهم عنها بقوة إيمانهم واحتياج من بعدهم إليها لضعف إيمانهم .
الأدب الخامس : أنواع الأحلام :
تنقسم الأحلام إلى ثلاثة أقسم :
القسم الأول : رؤيا من الله .
القسم الثاني : أضغاث أحلام .
القسم الثالث : رؤيا من الشيطان .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم  : " الرؤيا ثلاثة : رؤيا من الله ، ورؤيا تحزين من الشيطان ، ورؤيا مما يحدث به الرجل نفسه في اليقظة فيراه في المنام " [ رواه البخاري ومسلم ] .
الأدب السادس : ورؤيا الأنبياء وحي ، فإنها معصومة من الشيطان ، وهذا باتفاق الأمة ، ولهذا أقدم الخليل على تنفيذ أمر الله له في المنام بذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام .  
الأدب السابع : رؤيا غير الأنبياء ، فتُعرض على الوحي الصريح ، فإن وافقته وإلا لم يعمل بها ، وهذا مسألة خطيرة جداً ، ضلّ بها كثير من المُبتدعة من الصوفية وغيرهم .
الأدب الثامن : من أراد أن تصدق رؤياه فليتحرّ الصدق ، وأكل الحلال ، والمحافظة على الأمر الشرعي ، واجتناب ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وينام على طهارة كاملة ، مستقبل القبلة ، ويذكر الله حتى تغلبه عيناه ، فإن رؤياه لا تكاد تكذب البتة .
الأدب التاسع : أصدق الرؤى ، رؤى الأسحار ، فإنه وقت النزول الإلهي ، واقتراب الرحمة والمغفرة ، وسكون الشياطين ، وعكسه رؤيا العَتَمة ، عند انتشار الشياطين والأرواح الشيطانية . [ مدارج السالكين 1 / 50 - 52 ] .
الأدب العاشر : جميع الرؤى تنحصر في قسمين _ قاله ابن حجر _ :
القسم الأول : الصادقة ، وهي رؤيا الأنبياء ومَن تبعهم مِن الصالحين ، وقد تقع لغيرهم بندور _ أي نادراً _ كالرؤيا الصحيحة التي رآها الملك الكافر ، وعبّرها له النبي يوسف عليه السلام ، والرؤيا الصّادقة هي التي تقع في اليقظة على وفق ما وقعت في النوم .
القسم الثاني : والأضغاث وهي لا تنذر بشيء ، وهي أنواع :
الأول : تلاعب الشيطان ليحزن الرائي ، كأن يرى أنه قطع رأسه وهو يتبعه ، أو رأى أنه واقع في هَوْل ولا يجد من ينجده ، ونحو ذلك .
الثاني : أن يرى أن من الملائكة تأمره أن يفعل المحرمات مثلاً ، ونحوه من المحال عقلاً . 

الثالث : أن يرى ما تتحدث به نفسه في اليقظة ، أو يتمناه فيراه كما هو في المنام ، وكذا رؤية ما جرت به عادته في اليقظة ، أو ما يغلب على مزاجه ويقع عن المستقبل غالباً ، وعن الحال كثيراً ، وعن الماضي قليلاً [ فتح الباري 12 / 352 - 354 ] .
موقف المسلم من الرؤى :
تنقسم الرؤى إلى ثلاثة أقسام ، وحسب هذه الأقسام يكون موقف المسلم منها :
أولاً : الرؤيا الصالحة : نذكر هذه الأدلة ثم نستخرج ما يستفاد منها :
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ اللَّهِ ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا ، وَلْيُحَدِّثْ بِهَا ، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ ، فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا ، وَلاَ يَذْكُرْهَا لأَحَدٍ ، فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ " [ رواه البخاري ومسلم ] .
وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ ، فَمَنْ رَأَى شَيْئاً يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفِثْ عَنْ شِمَالِهِ ثَلاَثاً ، وَلْيَتَعَوَّذْ مِنَ الشَّيْطَانِ ، فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ " [ رواه البخاري ومسلم ] .
والنفث : نفخ لطيف لا ريق معه .
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : " إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا ، فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاَثاً ، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلاَثاً ، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ " [ رواه مسلم ] .
الفوائد من الأحاديث :
مما ذكر من أحاديث يتحصل لنا آداب للرؤيا الصالحة وهي كما يلي :
1. أن يعلم أنها من الله .
2 . أن يحمد الله عليها .
3 . أن يستبشر بها .
4. أن يتحدث بها لكن لمن يحب دون من يكره .
ثانياً : الرؤيا المكروهة : ذكرنا الأدلة قبل قليل ، ونستخرج الآن ما يستفاد منها .
الفوائد من الأحاديث :
مما ذكر من أحاديث يتحصل لنا آداب للريا المكروهة وهي كما يلي :
1 . أن يتعوذ بالله من شرها .
2 . وأن يستعيذ بالله من شر الشيطان .
3 . وأن يتفل عن يساره ثلاثاً .
4 . ولا يذكرها لأحد أصلاً .
5 . الصلاة بعدها ، ودليل ذلك :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " فَمَنْ رَأَى شَيْئاً يَكْرَهُهُ فَلاَ يَقُصُّهُ عَلَى أَحَدٍ ، وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ " [ رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] .
6. التحول إلى الجنب الآخر ، دليل ذلك :
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : " إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا ، فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاَثاً ، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلاَثاً ، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ " [ رواه مسلم ] .
7. لا يفسرها ، ودليل ذلك :
عن أبي هريرة : " إذا رأى أحدكم الرؤيا تعجبه فليذكرها وليفسرها ، وإذا رأى أحدكم الرؤيا تسوءه فلا يذكرها ولا يفسرها " [ صحيح في السلسلة الصحيحة 3/328 ] .
8. قراءة آية الكرسي ، لأنها تطرد الشيطان .
9. لا يقصها إلا على لبيب أو حبيب ودليل ذلك :
 عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " وَلاَ يُحَدِّثُ بِهَا إِلاَّ لَبِيباً أَوْ حَبِيباً " [ رواه الترمذي ] .
وفي رواية أخرى : " لاَ يَقُصُّهَا إِلاَّ عَلَى وَادٍّ أَوْ ذِي رَأْيٍ " .
وفي رواية أخرى : " لاَ تَقُصُّوا الرُّؤْيَا إِلاَّ عَلَى عَالِمٍ أَوْ نَاصِحٍ " .     
لا يقصها إلا على وادّ بتشديد الدال اسم فاعل من الوُدّ ، أو ذي رأي .
قال القاضي أبو بكر بن العربي :
أما العالم : فإنه يؤولها له على الخير مهما أمكنه .
وأما الناصح : فإنه يرشده إلى ما ينفعه ويعينه عليه .
وأما اللبيب : وهو العارف بتأويلها فإنه يعْلِمه بما يعوّل عليه في ذلك ، أو يسكت .
وأما الحبيب : فإن عرف خيراً قاله ، وإن جهل أو شك سكت [ فتح الباري 12 / 369 ] .
أقسام تأويل الرؤيا :
قال الإمام البغوي : " واعلم أن تأويل الرؤيا ينقسم أقساماً :
فقد يكون بدلالة من جهة الكتاب ، أو من جهة السنة ، أو من الأمثال السائرة بين الناس ، وقد يقع التأويل على الأسماء والمعاني ، وقد يقع على الضد والقَلْب _ أي العكس _ " [ شرح السنة 12 / 220 ] .
وذكر رحمه الله أمثلة ، ومنها :

 فالتأويل بدلالة القرآن : كالحَبْل ، يعبَّر بالعهد ، لقوله تعالى { واعتصموا بحبل الله } .
 والتأويل بدلالة السنة : كالغراب يعبر بالرجل الفاسق ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه فاسقاً .
 والتأويل بالأمثال : كحفر الحفرة يعبَّر بالمكر ، لقولهم : من حفر حفرة لأخيه وقع فيها .
والتأويل بالأسماء : كمن رأى رجلاً يسمى راشداً يعبَّر بالرُشْد .
والتأويل بالضد والقلب : كالخوف يعبر بالأمن لقوله تعالى { وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً } .
الكذب في الرؤى :
يحرم الكذب في الرؤيا، وقد ورد تحذير شديد على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم من الكذب فيها أو الزيادة أو النقص المتعمد، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلُمٍ لَمْ يَرَهُ ، كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ ، وَلَنْ يَفْعَلَ ، وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ ، صُبَّ فِى أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً ، عُذِّبِ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ " [ رواه البخاري ] .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا ، وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَلاَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ يُسْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ أُذِيبَ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ ، وَمَنْ تَحَلَّمَ كَاذِباً ، دُفِعَ إِلَيْهِ شَعِيرَةٌ وَعُذِّبَ حَتَّى يَعْقِدَ بَيْنَ طَرَفَيْهَا ، وَلَيْسَ بِعَاقِدٍ " [ رواه أحمد ] .
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مِنْ أَفْرَى الْفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ " [ رواه البخاري ] .   
قال الطبري : " إنما اشتد الوعيد فيه مع أن الكذب في اليقظة قد يكون أشدّ مفسدة منه ؛ لأن الكذب في المنام كذب على الله أنه أَراه ما لم يُرِه ، والكذب على الله أشد من الكذب على المخلوقين " .
تحري المعبر الثقة :
من آداب الرؤيا أنّ على صاحب الرؤيا إذا أراد أن تُعبّر أو تُفسّر ، أن يتحرى من كان عالمًا ناصحًا تقيًا عالمًا بكتاب الله ، فيقصّها عليه ، ولا يقصّها على جاهل أو سفيه أو حاسد ، كما هو حال بعض الناس ، تجده يقص رؤياه على كل من قابله عرفه أو لم يعرفه ، وقد وردت النصوص الشرعية بالتحذير من قصها على من لا يعرف تأويلها ، أو على حاسد أو حقود والأدلة مرت بنا قبل قليل ، ولا بأس بالتذكير بها :
عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " وَلاَ يُحَدِّثُ بِهَا إِلاَّ لَبِيباً أَوْ حَبِيباً " [ رواه الترمذي ] .
وفي رواية أخرى : " لاَ يَقُصُّهَا إِلاَّ عَلَى وَادٍّ أَوْ ذِي رَأْيٍ " .
وفي رواية أخرى : " لاَ تَقُصُّوا الرُّؤْيَا إِلاَّ عَلَى عَالِمٍ أَوْ نَاصِحٍ " .     
لا يقصها إلا على وادّ بتشديد الدال اسم فاعل من الوُدّ ، أو ذي رأي .
واسمع إلى يعقوب عليه السلام حين يقول لابنه يوسف عليه السلام : { يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا } [ يوسف 5 ] .
وتعبير الرؤى علم ، فلا يتكلم فيه من لا يعرفه ، والخوضُ في تأويلاتها بمجرد الظن خلاف الشرع .
ولابد أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الرؤيا تقع على ما تعبر به ، ومثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينظر متى يضعها " ، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الرؤيا على جناح طائر ما لم تعبر ، فإذا عبرت وقعت " .
واجب المُعَبِّرِ ( المُفَسِّرِ ) :
يتعين على المعبر أن يتثبت فيما يقوله لصاحب الرؤيا ، وأن يسمع الرؤيا كاملة ، ويتمهل ولا يتعجل في تعبيرها ، ولا يعبرها حتى يعرف لمن هي له ، ويعرف الجنس ، والوظيفة ، والعمر ، ويلزمه أن يكتم عورات الناس ، وينبغي له أن يعبر الرؤيا المسؤول عنها على مقادير الناس ومراتبهم ومذاهبهم وأعرافهم وبلدانهم .
روت عائشة رضي الله عنها قالت: كانت امرأة من أهل المدينة لها زوج يسافر للتجارة ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي غائب وتركني حاملاً ، فرأيت في المنام أن ساريةَ بيتي انكسرت ، وأني ولدت غلامًا أعور ، فقال : " خير ، يرجع زوجك إن شاء الله ، وتلدين غلامًا برًا " ، فجاءت مرة أخرى ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب ، فسألتها فأخبرتني برؤياها فقلت : لئن صدقت رؤياك ، ليموتن زوجك ، وتلدين غلامًا فاجرًا ، فقعدت تبكي ، فجاء رسول صلى الله عليه وسلم فقال : " مه يا عائشة ، إذا عبرتم للمسلم الرؤيا فعبّروها على خير ، فإن الرؤيا تكون على ما يعبرها صاحبها " ، فمات والله زوجها ، ولا أراها ولدت إلا غلامًا فاجرًا .
طمأنينة صاحب الرؤيا :
قالوا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قصّت عليه رؤيا يقول : " خيرًا رأيت ، وخيرًا تلقاه ، وشرًا تتوقاه ، وخير لنا ، وشر على أعدائنا ، والحمد لله رب العالمين ، اقصص رؤياك " .
ومن أمثلة ذلك :
قَالَتْ أُمُّ الْفَضْلِ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ كَأَنَّ فِي بَيْتِي عُضْواً مِنْ أَعْضَائِكَ ، قَالَ : " خَيْراً رَأَيْتِ ، تَلِدُ فَاطِمَةُ غُلاَماً فَتُرْضِعِيهِ " فَوَلَدَتْ حُسَيْناً أَوْ حَسَناً فَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ قُثَمَ . . " [ رواه ابن ماجة وغيره ] . 
خطورة تعبير الرؤى :
كان ابن قتيبة يقول : " يجب على العابر التثبت فيما يرد إليه وترك التعسّف ، ولا يأنف أن يقول لما يشكل عليه : لا أعرفه " .
وقد كان محمد بن سرين إمامًا في هذا الفن ، ومع ذلك كان يُمسِك عن التعبير أكثر مما يفسر .
وليعلم المسلم أن تعبير الرؤيا أمرٌ ليس بالهين ، فليتق الله من تصدى للناس يفسر لهم رؤياهم ، فهو غير ملزم بذلك ، إن لم يكن أهلاً له .
وقد سئل الإمام مالك رحمه الله : أيعبّر الرؤيا كل أحد ؟ قال : أبالنبوة يُلعب ؟ ثم قال : الرؤيا جزء من النبوة ، فلا يلعب بالنبوة .
كتب تعبير الرؤى :
مما يحذر منه ما تمتلئ به المكتبات من معاجم لتفسير الأحلام، وتجد البعض يقتني مجموعة منها، وكلما رأى حلمًا فتحها وعبّر لنفسه، وهذا لا ينضبط ولا يستقيم، وإنما الذي يعبّرها المعبّر الحاذق الذي يدرك ويحيط بشروط التعبير.
ومن اشتهروا بالتعبير ذكروا أن التعبير يختلف باختلاف حال الرائي وظروفه وملابساته .
وهذا مثال على ذلك :
أتى رجلان إلى ابن سيرين ، كل واحد منهما قال : إني رأيت في المنام أني أُأَذن ، فقال لأحدهما : تحج إن شاء الله ، وقال للآخر : تسرق وتُقْطع يدك ، فقيل له : كيف ذلك ؟ فقال : رأيت على الأول علامات الصلاح فأولت قوله تعالى : { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ } [ الحج 27] ، ورأيت على الثاني علامات الخبث والفجور ، فأوّلت قوله تعالى : { ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } [ يوسف 70 ] .
فالتعبير يحتاج إذًا مع الفطنة والموهبة إلى علم بالكتاب والسنة ، وإلا أصبح التعبير جهل وتخبط .
ترك تعبير الرؤيا :
ليس هناك أحدٌ مُجبر على تفسير رؤياه ، ولن يخرج عما كتب الله له، فلا يلقي باله للأضغاث ويشتغل بها ويُشغل الناس، ولو ترك السؤال عن الرؤيا فلا حرج عليه في ذلك، أما هدي الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان إذا صلّى الفجر وأقبل على الناس بوجهه قال : " هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا ؟ " وفي حديث ابن عباس : " من رأى منكم رؤيا فليقصها ؛ أُعبرها له " .
قصص ورؤى :
نقلت لنا كتب السنة من الرؤى التي رآها الرسول صلى الله عليه وسلم الكثير ، ومنها ما رواه ابن عمر قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : " بينا أنا نائم أُتيت بقدحِ لبنٍ فشربت منه ، حتى إني لأرى الرِّيَ يخرج من أطرافي ، فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب " ، فقال من حوله : فما أولت ذلك يا رسول الله ؟ قال : " العلم " . وروى ابن عمر أيضًا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت كأن امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى قامت بمهيعة _ وهي الجحفة _ فأولت : أن وباء المدينة نقل إليها .
ومما حدّث به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرؤى ما رواه ابن عباس عند البخاري ، أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني رأيت الليلة في المنام ظُلّة تنطف _ تقطر وتصب _ السمن والعسل ، فأرى الناس يتكففون منها ، فالمستكثر والمستقل ، وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء _ والسبب : الحبل _ أراك أخذت به فعلوت ، ثم أخذ به رجلٌ فعلا ، ثم أخذ به آخر فانقطع ، ثم وصل ، فقال أبو بكر : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي والله لتدعني فأعبّرها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اعبرها " ، فقال : أما الظلة فالإسلام ، وأما الذي ينطف السمن والعسل فالقرآن ؛ حلاوته تنطف ، فالمستكثر من القرآن والمستقل ، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه ، تأخذ به فيعليك الله ، ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به ، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به ، ثم يأخذ به آخر فينقطع له ، ثم يوصل فيعلو به ، فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت وأمي أصبت أم أخطأت ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أصبتَ بعضًا وأخطأت بعضًا " ، قال : فوالله يا رسول الله ، لتحدثني بالذي أخطأت به ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقسِم " .
الرؤى والعلم الشرعي :
تكالبت همم كثير من الناس على الرؤى وتعبيرها ، وتعلقت النفوس بهذه الرؤى والمنامات ، وأصبحنا نرى اليوم إن كان السائل عن الأمور الشرعية واحدًا ، فالسائل عن الرؤى والمنامات عشرات ، ورأينا مهمومين مغمومين ، يقول أحدهم : أنه لم ينم الليالي العديدة ، لماذا ؟ لرؤيا مقلِقة رآها ، وقد يكون عبّرها له جاهل بسوء ، وأصبحتَ ترى فرحين سعداء ، لكأنهم يترقبون بيوتهم تنقلب بساتين وقصورًا ، أو وسائدهم تنقلب ذهبًا ، بسبب رؤيا رأوها .
لكن السائل عن أمر شرعي ديني مهم في حياته يفتح له باب خير في الدارين ، قليل هو ، إنك لا تجد إلا أناس لا يلقون لمسائل الدين بالاً ، بل ربما أفتوا أنفسهم بأنفسهم ، أو ربما سأل أحدهم صديقاً له من الجهال ، أو التمس علماً عند الأصاغر ، وهذا هو الاستهتار برمته ، والتلاعب بدين الله عز وجل من أصله ، فليس هناك أفضل من طلب العلم الشرعي وتعلمه ، وعلى الإنسان أن يحرص على دينه لأنه سوف يسأل عنه بعد موته .
والذي ينبغي للمسلم أن يشغل نفسه من العلم النافع والعمل الصالح بما هو أهم وأفضل .
فإن العمر قصير لا يتسع لجميع العلوم ، فليأخذ المسلم بالأهم فالأهم من العلوم .
وطلب العلم الشرعي والتفقه في الشرع وتعليمه للناس ، والدعوة إليه ، من أفضل ما يقوم به المسلم ، ويعبد به ربه ، فليحرص المسلم على ذلك ، فهو أفضل ما أنفقت فيه الأعمار .
تنبيهات :
هذه تنبيهات على بعض أخطاء الناس في الرؤى ، ينبغي التنبه لها ومنها :
أولاً : انشغال الناس بهذه الرؤى وتقديسها، وصرف الأوقات الكثيرة في تذاكرها والسؤال عنها، ولو سألت كثيرين من أولئك عن صلواتهم وبعض أحكام دينهم لرأيت ما يحزنك، ولا أدل على ذلك من واقع الناس اليوم، انظر إلى مجالس المعبرين ولقاءاتهم كم يحضرها، ومجالس تعلم أحكام الشرع والدين، ألا فاقدروا للأمر قدره فلا إفراط ولا تفريط.
ثانيًا : إقامة المجالس واللقاءات الطويلة في تعبير الرؤى، مما زاد في إشغال الناس بهذا أكثر وأكثر، ويتبجح بعضهم بما جاء في صحيح مسلم من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كثيرًا ما يسال أصحابه بعد الفجر: ((من رأى منكم رؤيا؟))، فيجاب عن هذا بأن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يقاس عليه غيره، وكان في طور تنزّل الوحي، ومن ثم فإنه لم يثبت عن أحدٍ من الصحابة كالخلفاء الأربعة ولا من بعدهم أنهم كانوا يقيمون المجالس من أجل تعبير الرؤى، لاسيما أبو بكر الصديق  وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عارف بتعبير الرؤى.
ثالثًا : من الأخطاء في الرؤيا خطورة الكذب فيها، ففيه إثم عظيم، أخرج البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تحلم بحلم لم يره كلَّف ـ أي: يوم القيامة ـ أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل))، قال الإمام الطبري رحمه الله: "الكذب في المنام كذب على الله أنه أراه ما لم يره".
رابعًا : بعض الناس إذا رأى رؤيا لم يترك أحدًا إلا وقد سأله عنها، وقد يسأل أحيانًا جهالاً لا يفقهون فيها شيئًا. تفسير الرؤى ـ يا رعاكم الله ـ علم ليس لأي أحدٍ أن يتكلّم فيه، سئل الإمام مالك رحمه الله: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال مالك: أبِالنبوة يُلعب؟! والنبي صلى الله عليه وسلم يقـول: ((إذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحًا أو عالمًا)) أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وهنا تعلم خطورة نصب الإنسان نفسه مفتيًا في الرؤى، يتكلم بتخمينه وظنونه، فأينه من قول الله:  وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً  [الإسراء:36]؟!
خامسًا : يخطئ بعض الناس في اقتنائه لكتب الرؤى والاعتماد عليها، فكلما رأى في منامه شيئًا فتح كتابه، ألا فليعلم أن الرؤى يعبرها أهل العلم باعتبارات مختلفة، وقد تكون الرؤيا واحدة لشخصين لكن التأويل مختلف. جاء رجلٌ صالح لابن سيرين فقال: رأيت أني أؤذن في المنام، فعبرها له بأنه سيحج لقوله تعالى:  وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ  [الحج:27]، وجاء بعده آخر رأى أنه يؤذن في المنام، فعبرها له بأنه يسرق لقوله تعالى:  ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ  [يوسف:70].
سادسًا : تنتشر بين الفينة والأخرى ورقةٌ مذكور فيها رؤيا للرجل الصالح أحمد خادم الحجرة النبوية، وفيها بعض الوصايا، وكذلك ورقة أخرى أن فتاة رأت في المنام أمَ المؤمنين زينب أو بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة تأمرها بأن تقرأ  قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ  [الإخلاص:1] كذا مرة وسيحصل لها كذا وكذا، وكل هذه خزعبلات وأكاذيب لا تنشر إلا عند الجهلاء، وقد نبهت عليها اللجنة الدائمة، وتكلم عنها الشيخ ابن باز رحمه الله في إيضاح قبل أكثر من خمسة عشر عامًا، ألا فليُعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات إلا والدين قد كمل، وأن أيّ مدّعٍ يدعي أنه اكتشف سنة عبر منام فهو كاذب، فليس هناك سنة إلا وقد بينها صلى الله عليه وسلم ، وانتهى التشريع بموته .

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Seorang Blogger pemula yang sedang belajar

0 Response to "آداب الرؤى والأحلام"

إرسال تعليق